اسلام اون لاين"التعذيب في مصر.. ظاهرة بلا رادع" القاهرة- حمدي الحسيني- إسلام أون لاين.نت/ 31-5-2004
فيما يلي نص تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الذي حصلت عليه "إسلام أون لاين.نت" الإثنين 31-5-2004 بعنوان "التعذيب في مصر.. ظاهرة بلا رادع":
"تعاني مصر من ظاهرة التعذيب بصوره المختلفة، ورغم إعلان الحكومة المصرية عن نيتها في تحسين وضعية حقوق الإنسان وتبني حزمة من الإصلاحات السياسية، إلا أن هذه الظاهرة لم تمس حيث استمرت ممارساتها في أقسام ومراكز الشرطة والسجون، وشجع عليها غياب الرادع الكافي لمرتكبيها، وعدم وجود النصوص التشريعية الرادعة ضد من ثبت تورطهم في هذه الجريمة، وقد أدى غياب المحاسبة القانونية لمرتكبي التعذيب إلى ترسيخ مناخ يشعر فيه الجناة بأنهم في منأى عن العقاب، فالعقوبات لا تتناسب مع حجم الجرم المرتكب ليس فقط في حق الضحايا، ولكن في حق الإنسانية. فوفقا لاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، فإن التعذيب بات يندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية. ومن ثم فإن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تطالب السلطات المصرية مجددا بتعديل التشريعات الوطنية، وفقا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها الحكومة المصرية والتي تنص في مادتها 4/2 على أن "تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة".
أول تقرير في 2004
ويعد هذا التقرير الأول الذي تصدره المنظمة المصرية عن جريمة التعذيب خلال هذا العام 2004، ويتناول بالرصد والتوثيق مجموعة من الحالات النموذجية للتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز، وحالات وفاة ناجمة عن التعذيب، ويعتمد في مادته على الشهادات الحية لضحايا التعذيب وشكاوى وبلاغات أهالي الضحايا للمنظمة والتي قامت وحدة العمل الميداني بالمنظمة بتوثيقها استناداً إلى محاضر تحقيقات النيابة العامة والتقارير الطبية التي وثقت آثار الإصابات الناجمة عن التعذيب.
15 وفاة
وقد رصدت المنظمة المصرية في هذا التقرير (41) حالة نموذجية لتعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة من بينها (15) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية حول أن الوفاة جاءت نتيجة التعذيب وسوء المعاملة، وذلك خلال الفترة من أبريل 2003-أبريل 2004. وجميع هذه الحالات ليست سوى عينة محدودة بين مئات الحالات الأخرى التي تلقت المنظمة معلومات بشأنها والتي تعذر على ضحاياها وعلى المنظمة أن تقوم بتوثيقها على المستوى ذاته، وهي في النهاية ليست سوى مؤشر على مدى شيوع التعذيب في أقسام الشرطة ومدى القصور القانوني عن وقفه وملاحقة ومعاقبة مرتكبيه . وتأتي حالات التعذيب محل الرصد في التقرير، على خلفية انتشار جريمة التعذيب في المجتمع المصري خلال السنوات الماضية والتي رصدتها المنظمة المصرية، ولبيان مدى تحول التعذيب من "جريمة عادية" إلى "ظاهرة" في مصر، يقدم التقرير قراءة تحليلية واستنتاجات أكثر عمومية حول ظاهرة التعذيب في مصر عبر قراءة الإحصاءات التي رصدتها المنظمة خلال الفترة من 1993- إبريل 2004 والتي توضح مدى تفاقم ظاهرة التعذيب في المجتمع المصري لا سيما فيما يتعلق بالأماكن التي مورست فيها، وأكثر السنوات والمحافظات التي شهدت جرائم التعذيب، حيث رصدت المنظمة على مدار 11 عاما حالات متعددة للتعذيب لعدد كبير من الأفراد من فئات اجتماعية مختلفة، وقد تعرض هؤلاء الأفراد لأساليب متنوعة ومختلفة للتعذيب.
داخل أقسام الشرطة
ويكشف التقرير من واقع الحالات التي رصدها،عن أن أغلب حالات التعذيب وإساءة معاملة المواطنين داخل أقسام الشرطة، تتم بعد القبض عليهم مباشرة بمعرفة ضباط الشرطة وقبل عرضهم على النيابة المختصة وذلك بهدف إجبارهم على الاعتراف بجرائم معينة، بل إن التعذيب لا يمارس فقط ضد المحتجزين من المتهمين أو المشتبه فيهم، بل اتسعت دائرته لتشمل أسر وأهالي الأشخاص، وذلك لإجبارهم على الإدلاء بمعلومات تدين ذويهم أو عن مكان اختفائهم، أو لإجبار الأشخاص المطلوبين على تسليم أنفسهم، بل رصد التقرير بعض حالات التعذيب دون وجود أي مبرر واضح .
ويأتي تقرير "التعذيب في مصر.. ظاهرة بلا رادع" في إطار حملة المنظمة المتواصلة من أجل وقف جريمة التعذيب في مصر ومعاقبة مرتكبيها، وتحسين معاملة المواطنين واحترام حقوقهم وحرياتهم داخل أقسام الشرطة وغيرها من مراكز الاحتجاز، وتهدف المنظمة من ورائه الوقوف على حجم الظاهرة، وحث الحكومة المصرية على اتخاذ إجراءات جادة وعاجلة سواء كانت تشريعية أو عملية من أجل الحد من تفاقم جريمة التعذيب تماشياً مع الدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتقديم المسئولين عنها إلى ساحة العدالة، وكذلك مراعاة الضمانات القانونية الكفيلة بحماية حق المحتجزين في السلامة البدنية والنفسية والعقلية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي الاتفاقيات الدولية لمناهضة التعذيب، وغير ذلك من الاتفاقيات والإعلانات والتوصيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان .
ويأتي تقرير المنظمة المصرية عن التعذيب لعام 2004 متضمناً الأقسام التالية:
القسم الأول: حجم الظاهرة وبعض حالات التعذيب
ويتناول المتابعة الميدانية لظاهرة التعذيب في مصر خلال الفترة من ابريل 2003- أبريل 2004 . وفي هذا الإطار، رصدت المنظمة (41) حالة تعذيب داخل أقسام ومراكز الشرطة بينها (15) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية أنها نتيجة التعذيب وإساءة المعاملة.
كما يتناول هذا القسم من التقرير قراءة تحليلية لظاهرة التعذيب في مصر خلال الفترة من1993-أبريل 2004، وفي هذا الإطار رصدت المنظمة حوالي (412) حالة تعذيب من بينها (120) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية أنها نتيجة التعذيب وإساءة المعاملة.
ورغم رصد المنظمة المصرية لاتجاه الحكومة بإحالة قضايا التعذيب إلى القضاء منذ عام 2000، فإنه يلاحظ إصدار أحكام قضائية مخففة على المتهمين في قضايا التعذيب بسبب القصور التشريعي في مواجهة ظاهرة التعذيب .
القسم الثاني: أسباب استشراء التعذيب في مصر.
ويضم هذا القسم العوامل القانونية والإجرائية والأمنية التي تسهم بشكل أو بآخر في توفير بيئة خصبة لانتشار التعذيب في مصر، جاعلة منها ظاهرة لما ما يدعمها سواء على المستوى القانوني أو على مستوى تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية.
القسم الثالث: جهود المنظمة لإيقاف ظاهرة التعذيب والتوعية بخطورتها .
القسم الرابع:الخاتمة والتوصيات: وتشتمل على تعليق المنظمة على جريمة التعذيب في مصر من واقع الحالات الموجودة في التقرير.
لا يمثل التعذيب في مصر جريمة عادية يرتكِبها رجال الشرطة في الأقسام والمراكز والسجون، بل أضحى في السنوات القليلة الماضية-ومازال- ظاهرة تستدعي التوقف عندها من أجل إيجاد الحلول الفعالة والعاجلة لمواجهتها، فالتعذيب قد أصبح سياسة منهجية معتمدة على نطاق واسع من قبل ضباط الشرطة في استجواب المتهمين والمشتبه فيهم خلال المراحل الأولية للتحقيقات التي تجري بمعرفتهم في أقسام الشرطة، كما أن التعذيب لم يعد قاصراً على المتعقلين والمعارضين السياسيين بل امتد ليشمل المواطنين العاديين، وهذا ما تؤكده تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، فقد جاء في تقرير منظمة هيومان رايتس ويتش الصادر في شهر فبراير 2004 تحت عنوان "وباء التعذيب في مصر"على أن التعذيب ظاهرة مستمرة واسعة النطاق في مصر، فقوات الأمن والشرطة دأبت على تعذيب المعتقلين أو إساءة معاملتهم خصوصاً في أثناء التحقيقات، فالتعذيب لم يعد قاصراً على المعارضين السياسيين فقط، بل صار متفشياً كالوباء خلال السنوات الأخيرة، حيث يكابده عدد كبير من المواطنين العاديين الذين يجدون أنفسهم في الحبس في أقسام الشرطة كمشتبه فيهم أو في إطار تحقيقات جنائية. وقد طالبت هيومان رايتس ويتش الحكومة المصرية بالاعتراف باتساع نطاق جريمة التعذيب في مصر وعواقبه الخطيرة على المجتمع، وبفتح نقاش عام واسع وداخلي حول أسبابه وحلوله .
وكانت منظمة العفو الدولية قد ذكرت هي الأخرى في تقريرها لعام 2003 أن التعذيب قد تفشى في مصر على نحوٍ منظم في مراكز الاعتقال، أما بالنسبة لضحايا التعذيب فأكدت أمنستي أنهم ينتمون إلى مختلف فئات المجتمع، ومن بينهم نشطاء سياسيون وأشخاص قُبض عليهم في إطار تحقيقاتٍ جنائية.
ومما يجعل التعذيب ظاهرة في المجتمع المصري،مجموعة من العوامل القانونية والإجرائية والأمنية التي توفر بيئة خصبة لانتشار التعذيب، هذا بخلاف تقييد يد ضحايا التعذيب في تحريك دعاواهم عن طريق الادعاء المباشر، فالمسلك الوحيد أمام هؤلاء الضحايا هو التعويض المدني، فالمساءلة الجنائية والتأديبية لمرتكبي جرائم التعذيب منصوص عليها من الناحية النظرية فقط، ولا تطبق عملياً إلا في أضيق الحدود، فالفقرة الثانية من المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية قد حظرت على المدعى العام بالحق المدني إقامة دعواه بطريق الادعاء المباشر في حالة ما إذا كانت الدعوى موجه ضد موظف عام أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط بجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها .
ولإيضاح مدى تفشي ظاهرة التعذيب في المجتمع المصري، يتناول هذا القسم الأجزاء التالية:
(1) حالات التعذيب والوفاة الناجمة عنه خلال الفترة أبريل 2003-أبريل 2004
والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان إذ تصدر تقريرها حول ظاهرة التعذيب في مصر داخل أقسام ومراكز الشرطة، فإنها تكشف عن خطورة التعذيب وما يمثله من انتهاك صارخ للحق في الحياة والحق في الحرية والأمان الشخصي والسلامة الجسدية وما يؤدى إليه التعذيب من إزهاق أرواح الضحايا وذلك بالمخالفة لدور الشرطة المبينة في الدستور والقانون المصري، وبما يتنافى كذلك وواجبات أعضاء الشرطة المبينة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومدونه قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1979، وهذه بعض حالات التعذيب التي رصدتها المنظمة المصرية خلال الفترة إبريل 2003- إبريل 2004:
أ- التعذيب حتى الموت داخل أقسام الشرطة
وتستعرض المنظمة في هذا الجزء حالات التعذيب التي أدت التي وفاة الضحايا داخل أقسام ومراكز الشرطة، وقد رصدتها ووثقتها المنظمة عبر بعثات تقصى الحقائق التي أوفدتها إلى ضحايا أسر الأشخاص اللذين تعرضوا للتعذيب وأيضا الشكاوى التي قدمتها أسر الضحايا للمنظمة.