يعد التعذيب من أخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان لما يمثله من امتهان لكرامة الإنسان وإيلاماً لضحاياه سواء نفسية كانت أو بدينة، وقد أكدت المادتين(57،42) من الدستور المصري وكذلك قانون الإجراءات الجنائية (م41) (( . ومن ناحية أخرى، صادقت الحكومة المصرية على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب عام 1986. غير أنه باستقراء البنية التشريعية في مصر، نجد أن هناك العديد من النصوص التي تمنح سلطات وصلاحيات واسعة لمأموري الضبط القضائي وتمكين تلك الصلاحيات في سهولة إلقاء القبض والاحتجاز على الأشخاص دون استعمال هذه الصلاحيات، وينطبق هذا القول على جرائم التعذيب والتي أوردت لها النصوص العقابية عقوبات هزلية. وفى هذا الصدد، تعاود المنظمة المصرية لتؤكد من جديد أن هناك العديد من القيود والمعوقات الإدارية والقانونية التي تتضافر فيما بينها لتغزل نسيجاً تشريعياً قاصراً في مواجهة تلك الجريمة، وتجعل من التعذيب ظاهرة لها ما يدعمها، فانتقلت من بوتقة تجاوزات لبعض الضباط بنيت على أرض خصبة تسهل انفلات مرتكبيه من العقاب إلى وسيلة منهجية( ) يتعين على الجميع الوقوف لمجابهتها والتصدي لها.
وهناك جملة من العوامل القانونية والإجرائية والأمنية تسهم بشكل أو بآخر في توفير بيئة خصبة لانتشار التعذيب في مصر، جاعلة منها ظاهرة لما ما يدعمها سواء على المستوى القانوني أو على مستوى تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية، ولعل أهم تلك العوامل:
أولاً: استمرار حالة الطوارئ يشكل العمل بقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 بيئة خصبة لانتشار التعذيب في مصر، فهو يوفر الضمانات الحمائية لمرتكبي جرائم التعذيب، فالمادة (3) من القانون تنص على "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، وله على وجه الخصوص، وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية ..." .وبموجب هذه الصلاحيات الواسعة ظهرت ظاهرة الاعتقال المتكرر والذي بمقتضاه تستطيع سلطة الطوارئ احتجاز المعتقلين لأطول فترة ممكنة، كما تستطيع إصدار أوامر اعتقال جديدة، بعد الإفراج عن المعتقلين، ولا تخضع أماكن الاعتقال للرقابة والإشراف القضائي بما يحد من التعذيب .وفى هذا الصدد، لاحظت المنظمة أن وزارة الداخلية تتبع آلية تهدد فيها الأحكام القضائية من خلال عمل إجراءات إفراج شكلية تتمثل في إطلاق سراح المعتقل من السجن المودع فيه واحتجازه في أقرب قسم شرطة لمدة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين، حتى يتم استصدار قرار اعتقال جديد أو إعادته إلى السجن مره أخرى .
وبرغم تأكيد الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب على اتخاذ كافة التدابير التشريعية - ومن ضمن ذلك إلغاء قانون الطوارئ - وغيرها لمنع أعمال التعذيب (م2/1)، إلا أن الحكومة المصرية لم تقم بمثل هذا الإجراء، بل أن الاتفاقية نصت صراحة على أنه " لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب" .كما أشارت المادة 4 فقرة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى عدم جواز المساس المطلق بأي من الحقوق المنصوص عليها في هذه المادة تحت أي مبرر استثنائي، وقد عددت هذه المادة عدة حقوق ومنها التحرر من التعذيب وكافة ضروب المعاملة القاسية والمهنية.
ثانياً: قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937
يتضمن قانون العقوبات العديد من المواد المثيرة للجدل والنقاش ومحل انتقاد العديد من المنظمات الحقوقية والمنظمة المصرية، لكونها تمثل مرتاعاً خصباًَ لانتشار جريمة التعذيب وتسهل إفلات مرتكبيها من العقاب، وتتمثل تلك المواد في:
1-المادة (126) والتي لا توفر الحماية الجنائية اللازمة والفعالة لحق الإنسان في السلامة البدنية والذهنية، فهي تواجه فقط حالة التعذيب الواقع على المتهم بقصد حمله على الاعتراف أما إذا وقع التعذيب من موظف عمومي وفقاً لمفهوم المادة 126- على غير المتهم أو على المتهم بقصد آخر خلال الاعتراف، فلا تطبق في هذه الحالة بل تطبق القواعد الجنائية العادية.
كما لا تنسجم المادة 126 مع أحكام الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتي صادقت عليها الحكومة المصرية عام 1986، وأصبحت بمقتضى المادة 151 من الدستور جزء لا يتجزأ من التشريع الوطني، وإذا ما قارنا نص المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب مع ما ورد بنص م 126 من قانون العقوبات المصري، نجد أن هناك فارق شاسع ما بين النصين، فالنص الأخير يضيق من تعريف جريمة التعذيب إذا يعرفه باعتباره أي فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً أم عقلياً مما يؤدى -حتماً- إلى فرار العديد من مرتكبي تلك الجرائم من براثن العدالة، أما بالنسبة للتعريف الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية فنجده يتسع في تعريفه لجريمة التعذيب لتشمل كافة حالات التعذيب وصوره فقد جاء نصها كالآتي "لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد . جسدياً كان أم عقلياً، يحلق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخوينه هو أو أي شخص -أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم مع التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية . ولا يضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو اللازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضه لها" .
ولا تساير المادة 126 من قانون العقوبات ما استقر عليه في الاتفاقية بشأن التعذيب الذي يقع على شخص بقصد الحصول على معلومات أو الحصول على اعترافات أو معلومات من شخص ثالث كما يحدث عملياً فيما يعرف باحتجاز الرهائن حيث يتعرض ذوي المتهم للتعذيب لإجبار المتهم نفسه على الاعتراف .ووفقاً لمفهوم المادة 126 لا يندرج في إطار جريمة التعذيب التنكيل بالمتهم بقصد تأديبه أو تخويفه وتكتفي بمعاقبة الموظف العام الذي قام بالتعذيب فيما لا تعاقب على التحريض أو الموافقة أو السكوت أو التواطؤ على جريمة التعذيب، كما وصفتها المادة الأولى من الاتفاقية . ومن خلال هذه المقارنة، نجد أن المادة 126 من قانون العقوبات جاءت لتعالج حالة واحدة فقط وهى مسئوليه الموظف العام عن تعذيب متهم بغرض حمله على الاعتراف، إلا أننا من خلال هذا التقرير سنجد أن ضباط الشرطة دأبوا على التعذيب لأسباب متعددة قد لا يكون الحمل على الاعتراف أحد هذه الأسباب وهو الأمر الذي لا يجد له عند حدوثه حماية في نصوص القانون المصري.
كما أنه يخرج من نطاق التجريم والعقاب الضباط الذين يقتصر دورهم عند التحريض أو الموافقة على التعذيب أو السكوت عنه، كما أن المادة 126 لا تؤثم سوى قيام الموظف أو المستخدم العام لهذه الجريمة . وبالتالي يخرج من دائرة العقاب مرشدو وجنود الشرطة الذين يقيمون بالتعذيب تحت أوامر رؤسائهم من الضباط . وأخيرا تخرج أعمال التعذيب المعنوي من نطاق المادة 126 عقوبات والتي تفترض أن التعذيب بدنيا فقط وهو الأمر الذي يتعارض مع مفهوم التعذيب الوارد في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. 2- يوفر قانون العقوبات للجاني ضمانات الإفلات من العقوبة بنصه على عقوبات هزلية لا تكفي لردع الجاني، فقد نصت المادة (129) على أن " كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية أستعمل القسوة اعتمادا على وظيفته بحيث أنه أخل بشرفهم أو إحداث آلاماً بإيذائهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنية مصري".
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يزيد الشارع من أمر الحماية التي يمنحها للموظفين العموميين وذلك من خلال نص م 63 من قانون العقوبات والتي تقضي بأنه" لا جريمة إذ وقع الفعل من موظف عام إذا ما ارتكبه تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذا لما أمرت به القوانين أو اعتقد أنه من اختصاصه" . ومن شأن هذا النص أن يبيح الأفعال المؤثمة لرجال الضبط عند التذرع بحسن النية الذي يصعب على القاضي إثباته وإدراك دوافعه وبواعثه كمبرر لإباحة هذه الأفعال المؤثمة، ولمجرد أن يثبت رجال الضبط أنهم لم يتوافر لديهم العلم بعدم مشروعية الفعل الذي اقترفوه، ومن شأن ذلك أن يهدر أي قيمة لحماية حقوق الإنسان في مواجهة تعسف رجال السلطة واعتداءاتهم .
3- أن جريمة التعذيب البدنية (مادة 282 عقوبات) والتي ارتفعت بالعقوبة إلى مصاف الجنايات إذ وقع القبض بدون وجه حق مصحوباً بالتهديد بالقتل، أو التعذيب بالتعذيبات البدنية لم تفرق بين وقوع هذه الأفعال من فرد على فرد أو من سلطة على فرد . وكان من الواجب تشديد العقاب في الحالة الأخيرة باعتبار أن ممثلي السلطة يرتكبون هذه الجريمة ليس بصفتهم الشخصية بل اعتماداً على سلطات وظيفتهم ومكانتهم .
إن نصوص المواد 126، 282 عقوبات لا توفر أي حماية للسلامة العقلية أو النفسية للأفراد من أفعال الموظفين العموميين فلا يعتبر من قبيل التعذيب - طبقاً للمادة 12- ذلك الذي يقع على شخص آخر على المتهم كاهله أو ذويه حتى لو كان بقصد حمله على الاعتراف أو تخويف أشخاص آخرين . كما لا يعتبر من قبيل التعذيب إلى حد الفعل المؤثم بالمادتين 126،282 الاستجواب المطول للمتهم أو تسليط الضوء المبهر عليه أثناء النوم أو استخدام مؤثرات حسية للتأثير عليه كأحداث أصوات مزعجة بشكل متكرر أو سماعه أصوات استغاثة أو آلام لآخرين من جراء التعذيب، أو توجيه عبارات السباب والقذف، أو وضع عصابة على عينيه أو القيود الحديدية طوال الوقت أو التهديد بالقهر والقتل إلا إذا كان القبض غير قانوني . أما إذا كان القبض قانوني أو بموجب سلطات الطوارئ، فلا يعتبر هذا الأمر جريمة تعذيب في مفهوم المادة 282، كما لا يعتبر من قبيل التعذيب منع الطعام والكساء أو وضع المعتقل أو المحتجز في مكان منعزل وضار بالصحة البدنية والعقلية .
وفي ضوء ما سبق، فإن نص الدستور في المادة 42 على حماية كل من يقبض عليه أو يحبس من الإيذاء البدني أو المعنوي أو انضمام مصر إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، يصبح غير ذي جدوى، طالما لم يصاحب ذلك أي تطور تشريعي في قانون العقوبات ولم تدخل عليه أي تعديلات فيما يتعلق بجرائم التعذيب.
ثالثاً: مصادرة المدعي بالحق المدني في طريقه للادعاء المباشر أو الادعاء المدني ضد الموظفين العموميين أو توفير الحماية القانونية للقائمين على التعذيب
، فالفقرة الثانية من المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت لكل مدع بالحق المدني أن يرفع دعواه بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها لكنها استثنت من ذلك الحالة التي تكون فيها الدعوى موجهة ضد موظف عام أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط بجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها . ويشكل ذلك إخلال بمبدأ المساواة في إقامة العدل والمساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات كما يضفي حماية على تصرفات رجال الضبط المؤثمة على حساب حرية الأفراد وحقوقهم .
ولعل هذا التوسيع يثبت بأن المشرع قد هدف بالفعل حماية رجال الضبطية القضائية بشكل مبالغ فيه حيث قرر حظر تحريك الادعاء المباشر ضد موظف عام ارتكب جريمة أثناء تأدية وظيفته وذلك في توسيع غير مبرر . ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حينما حظرت المادتين 162، 210 من قانون الإجراءات الجنائية على المدعى بالحق المدني استئناف الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق أو النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا كانت صادرة في تهمة موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت أثناء تأدية عمله أو بسببها، في حين أجازتا لكل مدع بالحق المدني استئناف الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق أو النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وتؤكد المنظمة أن مثل هذه النصوص تفتح الباب أمام الضباط المتهمين باستعمال القسوة والتعذيب ضد المواطنين للإفلات من العقاب وخاصة وأن التحقيق في مثل هذه الوقائع يستغرق في أحسن الأحوال مدة تتراوح ما بين العام والنصف إلى عامين وغالباً ما يتم حفظ التحقيق فيها. وتساق حجج كثيرة لتبرير مصادرة المدعي بالحق المدني في طريقه للادعاء المباشر أو الادعاء المدني ضد الموظفين العموميين، مثل الكيدية وضمان حماية الموظف العام وأدائه لواجباته، مما يعد انتهاكاً للمادة 57 من الدستور والتي أكدت أن كل اعتداء على الحريات الشخصية هو جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عنها بالتقادم، مما يجعل الحق في تحريك دعاواه مجرد حق نظري فقط، ويصبح التصالح مع ضباط الشرطة المعذبين في النيابة العامة هو الحل الوحيد أمام ضحايا التعذيب .
رابعاً: الصلاحيات الواسعة لضباط الشرطة
خول المشرع المصري لضباط الشرطة صلاحيات واسعة غير محدودة لتمكينهم من أداء المهام المنوطة بهم، في الوقت نفسه الذي أخل فيه بالضمانات القانونية للمشتبه فيهم خلال مرحلة الاستدلالات والتحريات التي تقوم بها أقسام الشرطة، الأمر الذي أطلق يد ضباط الشرطة يفتح الباب أمام ارتكاب انتهاكات عديدة بحق المشتبه فيهم .
وفي هذا الإطار تخول المادة (102) من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 لرجل الشرطة "استعمال القوة بالقدر اللازم لأداء واجبه إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة لأداء هذا الواجب..." وتفتح هذه المادة الباب على مصراعيه أمام استخدام القوة دون ضوابط حادة، "فالقدر اللازم " مسألة متروكة لتقدير الشرطي، كما أن المادة تنص على وسائل أخرى .وتضيف المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية إلى الشرطة الوظيفية التالية: يكون من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم ... ضباط الشرطة وأمناؤهم والكونستبلات ورؤساء نقط الشرطة..." وحددت المادة (23) الأعمال التي باشرها ضباط الشرطة ومرؤ سيهم في البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم التحقيق والدعوى" وقد منح القانون لضباط الشرطة عدة صلاحيات باعتبارها من مأموري الضبطية القضائية، ومنها سلطة القبض على الأشخاص وتحرير محضر الشرطة . وترتب على هذه الصلاحيات في حال عدم التمسك بالحدود التي رسمها القانون آثاراً وخيمة على الحريات الشخصية، وفي هذا الصدد، تؤكد المنظمة المصرية أن الكثير من الاعتداءات على حقوق الإنسان التي تقع في أقسام الشرطة، قد حدثت إما بسبب إساءة استخدام هذه الصلاحيات أو بسبب الثغرات في القانون ذاته . ويعد القبض من أخطر الإجراءات التي يخول القانون ضباط الشرطة القيام بها، وتمثل إساءة استخدامه بالمخالفة للقانون، إهداراً حقيقياً للدستور المادة 41 منه.
ولكن المادة (34 ) من قانون الإجراءات الجنائية أتاحت لضباط الشرطة - استثناء من حالة التلبس - سلطة القبض على الأشخاص المشتبه فيهم بارتكابهم لإحدى الجرائم .وقيد القانون هذا الاستثناء، بشرط وجود دلائل كافية على ارتكاب ذلك الشخص لهذه الجريمة فضلاً عن كون هذه الجرائم من الجنايات أو الجنح التي تتجاوز عقوباتها 3 شهور . ولكن المنظمة المصرية تعتقد أن عبارة "دلائل كافية" هي عبارة فضفاضة لا ضابط لها، ومن ثم فإن مدى توافر أركانها متروك لتقدير ضباط الشرطة .
وقد جاء قانون الإجراءات الجنائية خالياً من ضمانة استعانة المشتبه فيه بمحام في مرحلة الاستدلالات والتحريات والتي يختص بها ضباط أقسام الشرطة، وهي مرحلة تختلف عن مرحلة التحقيق التي أجاز فيها القانون للمتهم الاستعانة بمحام سواء كانت الجهة التي تقوم بالتحقيق من النيابة أو الشرطة في حالة تفويض الأولى للثانية بعض اختصاصاتها . ويساعد غياب هذه الضمانة القانونية في مرحلة الاستدلالات على إطلاق يد ضباط الشرطة في ارتكاب انتهاكات عديدة بحق المشتبه فيهم، ففي بعض الحالات يجبر المشتبه فيهم على التوقيع على محاضر الشرطة دون أن يعلموا ما بها، وفي حالات أخرى يتم انتزاع اعترافات عنوة منهم، وذلك بممارسة ضغوط نفسية وبدنية عليهم . وخشية إساءة استخدام ضباط الشرطة هذه الصلاحيات المخولة، حرص القانون على وضع ضوابط تحول دون ذلك، فقد أجازت المادتين 42، 43 من قانون الإجراءات الجنائية للنيابة العامة التفتيش على أقسام الشرطة وتبين ما إذا كان هناك مواطنين محتجزين فيها بدون سند من القانون أو عدمه، ومع ذلك لا تقدم هذه المواد الضمانات القانونية كافية لوضع حد للاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون في أقسام الشرطة خاصة في ظل محدودية عدد موظفي النيابة بالمقارنة مع عدد القضايا المعروضة عليهم من ناحية والعدد الهائل من أقسام ومراكز الشرطة وأماكن الاحتجاز التي من المفترض أن تقوم النيابة بالتفتيش عليها من ناحية أخرى .
تهتم المنظمة المصرية -منذ نشأتها عام 1985 وحتى الآن- بظاهرة التعذيب وتضعه في مقدمة الانتهاكات التي تقوم برصدها، عبر عقد ندوات وحلقات نقاش وورش عمل مع المتخصصين والخبراء في مجال حقوق الإنسان والقانونيين، بهدف توعية الرأي العام بمدى خطورتها والخروج بتوصيات للحد من انتشارها والخروج بوثيقة متكاملة حول القصور التشريعي في مجال الوقاية من التعذيب ومعاقبة مرتكبيها والإعداد لمشروع القانون الخاص بتعديل التشريعات الوطنية الخاصة بمواجهة جريمة التعذيب .
وقد شهد عام 2003 إطلاق المنظمة المصرية لحملتها لمناهضة التعذيب في مصر،والتي أتضح من خلالها أن التعذيب يقوم على خطى منهجية ونمطية، الأمر الذي يحتاج إلى وقفة تشريعية جادة، وعليه فقد قامت المنظمة خلال عام 2003 بعقد عدة ورش عمل أسفرت عن الخروج باقتراح بمشروع قانون لتعديل بعض المواد الخاصة بالتعذيب في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، وقد ركز مشروع القانون على المحاور التالية:
-جريمة التعذيب في القانون المصري وتعديلها طبقاً للمواثيق الدولية حتى تشمل تعريف جريمة التعذيب، بما يتفق وما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب والتي وقعت عليها مصر عام 1986 ذلك بهدف مواجهه ظاهرة الإفلات من العقاب .
-تغليظ العقوبة ضد مرتكبي جرائم التعذيب وعدم جواز استعمال الرأفة والظروف المخففة للعقوبة.
إعمال حق الضحايا في تحريك الدعوى الجنائية المباشرة ضد مرتكبي جريمة التعذيب وتضمن المشروع على سبيل الحصر تعديل المواد 126، 129، 280 من قانون العقوبات والمواد 63، 232 من قانون الإجراءات الجنائية1 .
ومن ناحية أخرى، تصدر المنظمة تقارير سنوية حول التعذيب منذ عام 1990، والتي تتضمن توصيات للسلطات المصرية المختصة من أجل اتخاذ الإجراءات والتدابير التشريعية والعملية الضرورية لوقف ظاهرة تعذيب المواطنين وإساءة معاملتهم داخل مراكز وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز .وكانت المنظمة قد تقدمت بثلاثة تقارير للجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بجنيف، وكان آخرها التقرير المشترك مع المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (OMCT) الذي