سيف "المحاكم العسكرية".. على رقاب المعارضة شرح الصورة: د.عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان، يقود مظاهرة إخوانية للتنديد بسياسة النظام الحاكم تجاه الجماعة (null)
مواضيع متعلقةرفض خبراء مصريون، متخصصون في القانون والاجتماع والسياسة، اتجاه النظام المصري إلى "التوسع" في تشريع القوانين الاستثنائية، مطالبين بإلغاء إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وقصرها على العسكريين...كما حذروا من أن يحيل قانون المحاكم العسكرية، الذي أقرته اللجنة التشريعية بمجلس الشعب وأخواته من المواد المُعَدَلة دستورياً، البلاد إلى "جمهورية الخوف".
رفض خبراء مصريون متخصصون في القانون والاجتماع والسياسة اتِّـجاه النظام المصري إلى "التوسع" في تشريع القوانين الاستثنائية، مطالبين بإلغاء إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، التي يجب أن تقتصر على العسكريين، محذرين من أن يحيل قانون المحاكم العسكرية، الذي أقرته اللجنة التشريعية بمجلس الشعب وأخواته من المواد المُعَدَلة دستورياً، البلاد إلى "جمهورية الخوف" ويصيب الحياة السياسية بالشلل التام، وهو ما يفتح الباب أمام أشكال جديدة من الاحتجاج والتمرد غير المنظم سياسياً، يؤدي في النهاية إلى مزيد من العنف والإرهاب.
وطالب الخبراء بإعمال المادة 68 من الدستور، والتي تنص على "لكل مواطن الحق في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي" والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على "الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون".
الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
يفرغ الحياة السياسيةيرى الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن جوهر الخلل سببه في اختلاط الوظائف، فليس هناك مشكلة في إقرار قانون لمكافحة الإرهاب أو قانون للمحاكم العسكرية، شريطة أن يبقى هذا القانون أو ذاك خارج نصوص الدستور، وأن يرتبط بظرف مؤقت وأن تكون المحاكم العسكرية للعسكريين فقط.
ويشير الشوبكي في تصريحات خاصة لـسويس إنفو، إلى أن وضع قانون لمكافحة الإرهاب في الدستور، مشكلة كبيرة، خاصة بعد تعديل المادة 179، التي ضرب شقها الأول عرض الحائط بالمواد 41، و44، و45، من الدستور، والخاصة بحقوق وحريات المواطنين، ومنح رئيس الجمهورية شقها الثاني، سلطة إحالة مدنيين إلى المحاكم العسكرية، مشيرا إلى أنه في حقيقته يستهدف النشطين من القوى السياسية المعارضة.
ويضيف: "في ضوء التجارب السابقة، فإنني أتخوف من أن يتحوّل هذا القانون إلى أداة في يد النظام لجلد المعارضة، وهذا هو مَـكمن الخطر، أن يبقى هذا القانون سيفاً مسلّـطاً على رقاب المعارضة بقواها المختلفة، خاصة جماعة الإخوان، التنظيم السياسي الأقوى في المعارضة المصرية".
ويقول الشوبكي: "هذا القانون إضافة للمواد، 76 و88 و179، التي تم تعديلها من الدستور، ستحوِّل مصر إلى "جمهورية الخوف".. الخوف الذي يصيب الحياة السياسية بالشلل التام، بل إنه – وهذا هو الأخطر- يمكن أن يفتح الباب لأشكال جديدة من التمرد والغضب الشعبي، لا يقف خلفها رجال ناضجون من قوى المجتمع المدني، يمارسون السياسة بعقل وحكمة، وهو ما يؤذن بتفريغ الحياة السياسية من مضمونها ولا يقضي على خطر الإرهاب، كما يدعي النظام.
سيف على رقاب المعارضةإنه سينقلنا – في الأغلب - إلى شكل غير سياسي لجماعات "غير مرئية"، أو قوى أو تجمعات غير سياسية، كما هو حادث مع العمال وغيرهم من شرائح المجتمع، لأنه يفرغ الحياة السياسية من النشطاء ويضع سيفاً مسلطاً على رقابهم، وفي نفس الوقت، يفتح الباب أمام أشكال أخرى من الاحتجاج غير المنظم سياسياً، وهو ما يؤدّي إلى مزيد من العنف والإرهاب، لأنه سيكون خارج التنظيمات المُشَكَلة.
ويعتقد الشوبكي أن التعديلات الدستورية، التي أقرها البرلمان مؤخراً، وهذه السلسلة من القوانين التي تصدر تباعاً، يقف خلفها رغبة النظام في وقف، ومن ثم القضاء على غريمه السياسي الأقوى، وهو جماعة الإخوان، بعدما أظهر قدرة عالية على التنظيم والحركة في الوصول لمعظم الشرائح والحصول على عدد غير مسبوق من مقاعد البرلمان، وهو ما كشفت عنه الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005، حيث استطاعت الجماعة "التي يصر النظام على أنها محظورة"، على توصيل 88 من أعضائها إلى مقعد البرلمان، وهو عدد يعادل 20% من إجمالي المقاعد البالغة 454 مقعداً.
المحامي والناشط الحقوقي المصري أمير سالم، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والتنمية البشرية.
تقنين الدولة البوليسيةوحول مخاوف الحقوقيين من قانون المحاكم العسكرية، يقول المحامي والناشط الحقوقي المصري أمير سالم، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والتنمية البشرية: "التخوف مبني على ظاهرة توسّـع الدولة في الأخذ بمبدإ "النظام الاستثنائي"، سواء كما حدث في المادة 179 بإفساح المجال لرجال الشرطة في التفتيش والقبض والتنصّـت على المراسلات بأنواعها المختلفة، البريد العادي والإلكتروني، دون الحصول على إذن النيابة، تلك المادة، التي أبطلت مفعول 3 من أهم المواد الدستورية التي كانت تُـعتبر بمثابة الضمانات الأساسية لحماية حقوق وحريات الإنسان.
وفي تصريحات خاصة لسويس إنفو يقول سالم: "بنفس المنطق، تفتح الدولة من جديد "دسترة" محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، لتقضي على أحد أهم الضمانات الدستورية، وهو حق الإنسان في المثول أمام قاضيه الطبيعي".
ويتساءل الناشط الحقوقي عن دوافع النظام من سعيه لـ "دسترة الاستثناءات" وجعلها تبدو كما لو كانت هي الأصل؟ ... ويجيب قائلا: "الجواب في تقديري، رغبة النظام في توظيف الموجة الدولية التي تقودها أمريكا لمواجهة ما تسميه حملة مكافحة الإرهاب من خلال تقنين فكرة الدولة البوليسية ووضعها في شكل قانوني ودستوري، يُمَــكِّـن الدولة من مواجهة المعارضة وإيقافها عند حدّها بالقانون والدستور!!
تمهيد لسيناريو التوريثويرى سالم أن السعي لتشريع قانون المحاكم العسكرية، هدفه حماية النظام وتكريس حكم الرئيس مبارك أو وريثه المحتمل بقوة جمال مبارك، فلا شك أن القانون وما ينتُـج عنه من توسيع فكرة الدولة البوليسية، إضافة لمزيد من تكريس حكم النظام، مرتبط بملف التوريث، فهو وغيره من التعديلات التي سبقته، يمهِّـد الأرض بحرثها وتجهيزها، لتكون مهيأة دون معارضة، لتقبل سيناريو التوريث.
ويكشف سالم النِّـقاب عن حقيقة الدور الأمريكي، الذي راهن عليه الكثيرون بالخطأ لحماية الحقوق والحريات، والدفع في اتجاه مزيد من الضغوط على الأنظمة العربية لفتح الباب للممارسة الديمقراطية، معتبراً أن الدور الأمريكي يستهدف حماية الأنظمة المستبدّة في المنطقة، وأن لها تاريخاً أسوداً في مساندة الأنظمة المستبدة.
وحول جدوى معارضة القوى السياسية لقانون المحاكم العسكرية، يرى سالم أن "النظام ماضٍ فيما يفعله، دون الالتفات لأصوات المعارضة، سواء من اليمين أو اليسار، وقانون المحاكم العسكرية سيمرّر بشكله الذي أراده النظام، بهدف تكريس مزيد من السلطة في يد النظام، لوقف تمدد قوى المعارضة بمختلف أطيافها وبشكل قانوني ودستوري يبطل إجراءات الطعن بعدم دستوريته، وهو ما ينبِّـئ بمستقبل مظلم ومخيف في الوقت نفسه.
المفكر المصري، الدكتور رفيق حبيب، الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، والباحث بالهيئة الإنجيلية القبطية.
"دسترة الاستبداد"ويتفق المفكر المصري، الدكتور رفيق حبيب، الخبير الاجتماعي والباحث بالهيئة الإنجيلية القبطية مع الدكتور الشوبكي والناشط سالم، فيما ذهبا إليه من خطورة إقرار مثل هذا القانون، ويضيف: "إذا نظرنا إلى قانون المحاكم العسكرية بشكله المطروح وإلى التعديلات الدستورية، التي تم إقرارها مؤخراً، وخاصة المواد 179 و88 على وجه الخصوص، فإننا سنلحظ أن هناك رابط واضح بينهما، وهو محاولة الإيحاء بأن المحاكم العسكرية يمكن أن يكون لها بعض الضوابط، كأن يكون قُـضاتها غير قابلين للعزل، وهو ما يعني أن هناك رغبة لدى النظام في التوسع في إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، طبقاً للمادة 179 من الدستور، وطبقا لقانون الإرهاب، الذي سيصدر خلال عام من الآن، والنتيجة من هذا كله، أن النظام الحاكم في مصر نجح في خلق قضاءٍ موازٍ، يحول إليه خصومه السياسيين.
ويذهب حبيب في تصريحات خاصة لسويس إنفو إلى القول بأن "هذا يعني أن الدولة نجحت في ضرب القضاء المدني، فلم تجعل له الولاية الكاملة، كما أنها جعلت القضاء العسكري أداة للتخلّـص من الخصوم السياسيين، وهو ما يعنى توريط الجيش في الصراع السياسي وجعله طرفاً في المعادلة، فضلاً عن أنها تحاول تجميل شكل القضاء العسكري ومسح الصورة الذهنية السلبية المأخوذة عنه".
ويستدرك حبيب قائلاً: "غير أن هذا التجميل ليس له معنى، لأن القضاء العسكري يبقى في نهاية الأمر تابعاً للسلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة الدفاع وشخص رئيس الجمهورية، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما يجعله مأموراً من السلطة التنفيذية، فيحول له النظام خصومه السياسيين، وبهذا يكون النظام هو الخصم والحكم في آن واحد".
"عصفورين بحجر واحد"وحول مستقبل الحياة السياسية في مصر في ضوء إقرار قانون المحاكم العسكرية بعد سلسلة المواد التي تم إقرارها مؤخراً، يرى حبيب أنه "إذا تم القضاء على السلطة القضائية كمرفأ أخير يحتكم إليه الناس جميعاً، فإن هذا يعني أن الجماعة المصرية ستفتقد إلى الشعور بالأمان والعدالة، وهو ما يعني القضاء تماماً على فكرة دولة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات، وخاصة القضائية والتنفيذية، وهو ما يقودنا إلى حالة من الاستبداد بحكم الدستور أو ما يمكن أن نطلق عليه السعي إلى دسترة الاستبداد".
فالممارسة الاستبدادية، ستصبح مدعومة من الدستور وليست مخالفة له، والمحصلة النهائية، هي تعريض بنية الدولة للانهيار وفك الروابط بين الدولة والجماعة المصرية وانهيار معنى القانون في نظر الجماعة المصرية.
ويشير حبيب إلى أن الواقع يؤكد أن السلطة التنفيذية حاولت السيطرة على القضاء منذ عام 1992 بأساليب شتى، لكنها لم تستطع إخضاع السلطة القضائية لإدارتها، غير أنها نجحت في تأجيل معركة القضاة للوقت الذي يناسبها.
وعندما فشل النظام في إخضاع السلطة القضائية لإرادتها السياسية، قرر الإطاحة بها، حتى لا تكون مرجعاً لأي عمليه أو ممارسة سياسية، خاصة بعد موقفهم من الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت عام 2005، فأخرجتهم من الانتخابات، وبالتالي، من القضايا السياسية، وحدّدت دورهم في المجال المدني والجنائي وغيره.
ويرى حبيب أن "التعديلات استهدفت التخلص من اثنين من أهم معارضي النظام، وهما جماعة القضاة الإصلاحيين، الذين قادوا انتفاضة القضاة، وجماعة الإخوان، أقوى تنظيم سياسي في الشارع، وأي قوة معارضة قد تظهر في المستقبل، وبهذا تكون النخبة الحاكمة قادرة على تحديد الرئيس القادم والبقاء في الحكم دون سقف زمني".
ويشير حبيب إلى أن "مشكلة القضاء العسكري، أنه مأمور من رتبة أعلى، وهو جهاز يقف على سلطته الرئيس، والواقع والتاريخ يشهدان بأن القضايا التي أحيلت للمحاكم العسكرية هي قضايا بلا أدلّـة، ولو حوكم المتهمون فيها أمام القضاء الطبيعي، لحكم ببراءتهم فوراً".
القاهرة – همام سرحان