اللجوء للمحاكم الاستثنائية للإفلات من القضاة المستقلين
مؤتمر " دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي"
1-3 ابريل 2006
ورقة مقدمة من الأستاذ : حافظ ابو سعدة
الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان
مقدمة :الحق في المحاكمة العادلة والمنصفة أحد أهم الحقوق التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الأنسان في المادة العاشرة ، حيث نصت على أن" لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعليناً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمه جزائية توجه إليه"
وكذلك نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (14) وإن أضاف العهد أن تكون المحكمة منشأة بقانون.
ورغم تصديق الحكومة المصرية على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلا أن المحاكم الاستثنائية ظلت أحد السمات الرئيسية للنظام القضائي في مصر وبالتحديد في القضايا التي يتهم فيها سياسيون.
ويشهد النظام القضائي في مصر إلي ثلاثة أنواع من المحاكم الاستثنائية الأولي : محاكم أمن الدولة طوارئ ، وهي المحاكم المنشأة بموجب قانون الطوارئ والتي تختص بنظر القضايا المتعلقة بمواد قانون العقوبات البابين الثاني والثالث ، وهي الأبواب الخاصة بجرائم امن الدولة من الداخل والخارج. الثانية : هي محاكم المدنين أمام المحاكم العسكرية ،وهذا الاختصاص الذي يتحدد بمواد قانون الأحكام العسكرية المادة (6) وأيضا ترتبط بوجود حاله الطوارئ حيث تمنح لرئيس الجمهورية الاختصاص في أن يحيل إليها أياً من الجرائم . الثالثة: هي محاكم أمن الدولة المنشأة بالقانون رقم 105 لسنه 1981 وهي المحاكم التي تم إلغائها عام 2004.
وكانت تختص أيضا بنظر الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات البابين الثاني والثالث، ورغم أن تشكيل محاكم أمن الدولة وأمن الدولة طوارئ من القضاة الطبيعيين إلا أن القانون كان ينص على إمكانية إضافة قضاة عسكريين لتشكيلها الثابت بقرار من رئيس الجمهورية . وفي الحقيقة منذ أنشاء هذه المحاكم لم يضاف إلى تشكيلها عسكريين ، وقد شهدت هذه المحاكم محاكمات للعديد من المنتسبين إلي القوي السياسية المختلفة .
فقد حاكمت محاكم أمن الدولة طوارئ تنظيمات شيوعية وناصرية واشتراكية وأخوان مسلمين وجماعات إسلامية ، ومع تزايد أعمال العنف المسلح في بداية التسعينات وبالتحديد منذ عام 1992 بدأت إحالة المدنين إلى محاكم عسكرية وكان معظم المحالين إليها ممن ينتمون إلى جماعات وحركات إسلامية جهادية ، وكذلك أحيل إليها منذ عام 1996 المنتمين إلى تنظيم الإخوان المسلمين .
إذاً كانت السمة الرئيسية للمحاكم الاستثنائية هي محاكمة المعارضين السياسيين أمامها بهدف أساسي هو الحصول على أحكام بالإدانة في ظل محاكمات تفتقد لكافة معايير المحاكمة العادلة والمنصفة ، والأهم هو إبعاد هذا النوع من القضايا من رقابة محكمة النقض المصرية وهي أعلي المحاكم ترتيباً وتوصف بأنها محكمة القانون . مما يؤكد التفسير بأن الهدف ليس المحاكمة العادلة وإنما صدور أحكام بالإدانة والتخلص من المعارضين السياسيين للحكومة .
ولا يمكن هنا قبول الاحتجاج الذي قدمته السلطات دائماً في تفسير الإحالة إلي هذا النوع من المحاكم الاستثنائية بمقولة أننا في حالة طوارئ وأننا في مواجهة مع جماعات مسلحة أو جماعات تستخدم العنف . فقد سبق وأن أوضحنا أنه تمت إحالة مواطنين مصريين لا يمارسون العنف ولا يتبنون منهجاًً لإسقاط النظام بالقوة بصرف النظر عن الاتهامات التي تم صياغتها لكي تعكس هذا النوع من الاتهامات .
كما أنه إذا كان مقبولاً أن تطالب السلطات إجراءات استثنائية من قبيل القبض والاستيقاف والإجراءات التحفظية لمنع جرائم العنف ، فما هو المبرر في انتزاع الاختصاص القضائي من القضاة الطبيعيين والمحاكم الطبيعية والإحالة لمحاكم استثنائية تفتقد إلي أي معايير للمحاكمة العادلة ؟. وفي الإجابة على هذا السؤال سوف نتناول في هذه الورقة بالتفصيل المحاكم العسكرية كنموذج لانتزاع المواطنين من قاضيهم الطبيعي ، ولتوضيح الانتهاكات المتعددة التي تتم أمام هذا النوع من المحاكم الاستثنائية . وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ، وكذلك التشريع المصري، وسوف نستند هنا إلي تقارير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حول المحاكات العسكرية.